أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موافقة حكومته على اتفاقية وُصفت بالمفصلية لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر من حقول إسرائيل البحرية، واعتبرها أكبر صفقة تصدير في تاريخ إسرائيل. قدّر الاتفاق قيمته بنحو 112 مليار شيكل، أي ما يعادل 34.7 مليار دولار، ونصّ على توريد الغاز من حقل ليفياثان في شرق المتوسط عبر شركة شيفرون الأميركية وشركائها الإسرائيليين.
يقدّم موقع تركيا اليوم قراءة تحليلية لأبعاد الصفقة الاقتصادية والسياسية، ويستعرض المستفيدين منها، والجدل الذي أثارته داخل إسرائيل، إضافة إلى حسابات القاهرة وواشنطن في خلفيتها.
صفقة اقتصادية برسائل سياسية
يحمل الاتفاق أبعادًا تتجاوز الحسابات التجارية البحتة. يسعى نتنياهو إلى تعميق العلاقات مع مصر، وتعزيز اعتماد المنطقة على الغاز الإسرائيلي، وتكريس موقع إسرائيل كمورّد طاقة إقليمي رئيسي. تشير تقارير إعلامية عربية إلى أن المصادقة على الصفقة تستهدف أيضًا توجيه رسالة للداخل الإسرائيلي مفادها أن الحكومة لا تعيش عزلة إقليمية، وأنها ما زالت قادرة على فرض شروطها رغم الحروب الجارية والانتقادات الإقليمية والدولية.
يصبّ جزء كبير من عائدات الصفقة في الخزانة الإسرائيلية، إذ قال نتنياهو إن نحو 58 مليار شيكل ستتدفق إلى خزينة الدولة. وصف مسؤولون إسرائيليون الصفقة بأنها «منجم ذهب»، بينما حذّر منتقدون من مخاطر تصدير كميات ضخمة من مورد محدود قد يترك إسرائيل مستقبلًا معتمدة على الاستيراد أو معرّضة لارتفاعات حادة في أسعار الكهرباء إذا غابت اكتشافات جديدة.
هل تصب الصفقة في مصلحة مصر؟
تواجه مصر تحديات اقتصادية وضغوطًا في قطاع الطاقة، ويمنحها الاتفاق فرصة للحصول على كميات كبيرة من الغاز بأسعار أقل من الغاز الطبيعي المسال المستورد، ما يخفّض كلفة توليد الكهرباء والطاقة للصناعة. تستفيد القاهرة كذلك من امتلاكها بنية تحتية متقدمة لتسييل الغاز وإعادة تصديره إلى أوروبا وآسيا، وهو ما يعزّز دورها كمركز إقليمي لتجارة الغاز في شرق المتوسط.
رغم تداول روايات عن تفاوض مصر على سعر أقل، لا تدعم المعطيات المتاحة هذه الفرضية. نقلت شبكة CNN عن مصدر مطّلع أن الاتفاقية حدّدت أسعارًا ثابتة للغاز المورّد دون تعديلات لصالح القاهرة مقارنة بالشروط السابقة. يدفع ذلك إلى القول إن المكاسب المصرية ترتبط أكثر بتأمين الإمدادات واستقرارها، لا بتخفيض السعر.
خلفيات التأجيل وضغوط واشنطن
كشفت تقارير عبرية أولى عن الصفقة في أغسطس عندما وقّعت شركة نيو ميد إنرجي عقدًا جديدًا يوسّع اتفاقًا قائمًا منذ 2019. تأخر التصديق الرسمي لأشهر، وتحدّثت تقارير عن احتمال لجوء مصر إلى قطر لسد فجوات الإمداد، مع تأكيد القاهرة التزامها بتنويع الشركاء.
أرجع محللون التأجيل إلى مخاوف داخل الحكومة الإسرائيلية من تقليص حصة السوق المحلية من الغاز وارتفاع أسعار الكهرباء. وأشار خبراء في أسواق الطاقة إلى إصرار وزارة الطاقة الإسرائيلية على حسم تفاصيل التسعير الداخلي قبل إصدار تصريح التصدير النهائي. وشددوا أيضًا على أن القيود الفعلية لا تتعلق بالعقود وحدها، بل بطاقة خطوط الأنابيب بين إسرائيل ومصر التي تبلغ نحو عشرة مليارات متر مكعب سنويًا.
يلعب الوجود الأميركي دورًا محوريًا في خلفية الاتفاق، إذ تشغّل شيفرون الحقول الإسرائيلية، ما يفسّر الضغط الأميركي لإتمام الصفقة لما تحققه من عوائد للشركة والاقتصاد الأميركي. تحدثت مصادر عن تراجع الحكومة الإسرائيلية بعد أشهر من المماطلة تحت ضغط البيت الأبيض، وربطت الإعلان بالتحضير لاجتماع محتمل بين القيادتين المصرية والإسرائيلية برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضمن مساعيه لترتيبات سلام إقليمية.
في المحصلة، تكشف الصفقة عن شبكة مصالح متداخلة: إسرائيل تحصد عوائد مالية ونفوذًا إقليميًا، ومصر تؤمّن إمدادات طاقة وتثبّت موقعها كمركز للغاز، والولايات المتحدة تدعم شركاتها وتدفع نحو ترتيبات سياسية أوسع. يبقى السؤال مفتوحًا حول كلفة هذه المعادلة على المدى الطويل، خاصة مع تقلبات السياسة والطاقة في المنطقة.
https://www.turkiyetoday.com/region/who-benefits-from-egypt-israel-gas-deal-3211547

